•  

    جلس وراء مقود سيارته كعادته كل صباح, و بدأ يتلو دعاء الركوب و يستفتح يومه بذكر الله, شغل سيارته و مضى في طريقه, كانت الطريق فارغة الا من بعض المارة و السيارات المبكرة فهو يحب أن يستقبل الشمس و يشهد طلوعها في كل صباح و أن يستنشق هواء الصباح و هدوءه قبل أن تملأه الأصوات... لفت انتباهه سائق من الواضح أنه لم يألف السياقة بعد فتبسم ضاحكا.. لقد تذكر أول أيامه وراء المقود... آآه لقد مضت عشر سنوات منذ أول مرة ساق سيارته, لا زال يذكر تلك الأيام. كان شديد العصبية و التوتر و التأثر في كل مرة يقود فيها. في بادئ أيامه حدد لنفسه مدة زمنية ليصبح بعدها سائقا محترفا لا غبار على مدى روعة سياقته. ظن أن تلك المدة تكفيه لكن هيهات فهو الى اليوم يتعلم شيئا جديدا في كل مرة يجلس وراء المقود... لا زال يذكر كيف كان يتأفف و يسخط كلما ترجل عن سيارته لأنه ارتكب خطئا أو لأنه انزعج من أحد السائقين أو لأنه مر على راجل قليل الحرص, لقد حمل نفسه ما لا طاقة لها عليه و يلومها على كل هفوة حتى على صوت بوق السيارة التي خلفه, كان أحمقا... لكنه الآن عكس ذالك فقد تعلم الهدوء و تيقن بأن لكل واحد منا حيزا من الأخطاء له الحق في ارتكابها و علم أن يوما عاديا وراء المقود لا بد أن تشوبه مواقف مربكة... لقد تعلم الابتسام...
    آآه عشر سنين من القيادة صادف فيها أشكالا شتى من السائقين و عاش فيها مواقف شتى, فتارة يصادف سائقا متهورا يضرب عرض الحائط كل آداب السياقة و تارة يصادف سائقا غاضبا يصرخ على هذا و ذاك بدون سبب يرى و مرات يصادف آخرين يسهلون عليه السياقة فيمر بجانبهم و هو ممتن مسرور
    في كل مرة يجلس وراء المقود يعلم أنه قد يصادف من ينتقده و يصرخ عليه لمجرد أنه أوقف سيارته ليسمح لشيخ راجل بالمرور, قد يصادف من يرغمه على خرق قانون السير للانفلات من موقف أكثر خطورة و قد 

    Accueil

    يكون هو من يخرق القانون طواعية و عمدا
    لكن رغم كل هذا لقد تعلم شيئا مهما و بسيطا: أن السياقة تتطلب الجرأة و الثقة في النفس, و كذالك هي الحياة, و أنه ما دام يجلس وراء المقود فهو المسؤول عن مسار العربة و سرعتها و مسؤول أيضا عن سلامة من معه.لقد تعلم أن حياته تشبه السيارة و هو السائق الممتاز لها لا سواه فاذا انحرفت عن وجهتها فهو المسؤول عن ذالك, أي نعم قد يصادف من يحيده عن المسار غصبا لكنه يظل السائق في كل الأحوال. لقد تعلم أن لا 

    يكون مجرد راكب في حياته بل أن يكون السائق...
    الحياة اختيارات و مسارات... لكل منا ذوقه الخاص في كيفية عيش حياته و لكل منا مسار مختلف عن الآخر. فدعنا نكف عن انتقاد السائقين الآخرين و نوهم أنفسنا بأننا وحدنا " السائق المحترف" فلكل منا وجهة و كيفية سياقة معينة و لنهتم بعرباتنا ووجهتنا و لنحرص على راحة و سلامة كل راكب يختار مرافقتنا في الطريق.

    منى


    votre commentaire
  • Accueilتعالى صوت طفل بالبكاء, بكاء بحرقة, تجمد الدم في عروقها و تسارعت الى بالها أسوأ الاحتمالات...جرت بسرعة الى مقعد الطالب لتتفقد حاله و تعلم سر بكائه, كان جالسا في مقعده ممسكا بورقة بيضاء متسخة و دموعه تتساقط على خديه و كأنه فقد شيئا غاليا
    - مابالك ياعزيزي؟
    رد و كلامه غارق في عبراته
    - لقد محى محمد اللوحة التي ر سمتها!! محاها كلها بالممحاة
    أطرقت المعلمة هنيهة تفكر كيف تتصرف مع هذين الطفلين, أتكتفي بتوبيخ المعتدي أم ماذا؟
    بادرت الطفل بابتسامة و سألته:
    - صف لي لوحتك
    مسح عبراته و رد عليها
    - لقد كانت لوحتي كاملة, لقد خططتها بقلم الرصاص و احتوت على كل التفاصيل ...السماء و الشمس و العشب الأخضر و القطة البيضاء, لم أجد الفكرة بسهولة و استغرقت فيها وقتا طويلا, لقد كانت أحسن رسوماتي . لن أتمكن من رسم لوحة أخرى أحسن منها....
    ضمته الى صدرها كي تهون عليه و تناولت الورقة التي تشتمل بقايا اللوحة, و نظرت اليه:
    - أمتأكد أنك لن ترسم أحسن منها؟ لأني بصراحة أعلم أنك موهوب و كل رسمة من ر سوماتك أجمل من سابقاتها....أتدري ماذا أرى في هذه الورقة؟
    رد عليها:
    - آثار قلم الرصاص من اللوحة السابقة, لم تعد صالحة للرسم....
    فأجابته
    - لا ليس هذا ما أرى, لقد كانت فيما سبق ورقة قد امتلئت جنباتها بلوحتك, لم تكن تحتمل المزيد, و الآن هي ورقة فارغة من جديد, نعم هي ليست بيضاء تماما, لكن يكفي أن نمحو قلم الرصاص جيدا و تعود بيضاء, ثم انك الآن تملك ورقة بيضاء تستطيع أن ترسم فيها لوحة بالألوان
    - لكني لم أجد فكرة اللوحة بسهولة,و استغرقت وقتا و جهدا
    - أنا متأكدة أنك حين كنت ترسم, وردتك أفكار جديدة لكنك لم تهتم لها لأنك كنت قد شرعت في الرسم و شق عليك البدء من جديد
    استغرق الطالب في أفكاره ثم لمعت عيناه و ابتسم
    - نعم لقد تخيلت البحر و رماله, لكن لم أعره اهتماما
    أجابته معلمته:
    - حسن جدا, ها هي الورقة و الآن كل الفرص أمامك من جديد, لك أن تملأ ورقتك بما تحب, و اني لأتطلع شوقا لرؤية لوحتك الجديدة
    انتهى اليوم الدراسي و في طريقها للعودة تذكرت طالبها الصغير وورقة الرسم, كان من الممكن أن توبخ محمد و تربت على كتف عبد الله و تمر القصة بسلام, لكنها احبت أن تعلم تلميذها الصغير درسا في الحياة, في يوم من الأيام سيجد أن كل جوانب حياته تنهار في وهلة, قد يفقد كل شيء في لحظة واحدة : أحبائه أصدقائه مشاريعه و ماله...كل شيء و لن يبقى له من حياته سوى كمثل تلك الورقة المتسخة بآثار قلم الرصاص, مجرد ذكريات....سينظر الى ذكرياته السعيدة فيخيفه الفشل من التقدم الى الأمام تماما كما تذكر لوحته الممحية التي عدها كاملة و حكم على نفسه بعدم المقدرة على رسم أحسن منها...سيتأمل ذكرياته الحزينة فيمنعه الألم من المحاولة تماما كما أضعفته مشقة ايجاد الفكرة من أن يبدع....أرادته أن يوقن بأن تلك الورقة المثقلة بالأنقاض بامكانها أن تصبح جنة غناء تماما كتلك اللوحة الرائعة التي رسمها من بعد و علقتها هي على مرأى كل التلاميذ لشدة روعتها

    منى

      

     
     


    votre commentaire
  • Accueilنزلت من سيارتها و اذا بها تجده أمامها و كله نظرات اعجاب, اعجاب بالسيارة, قال لها في لهفة:
    - سيارتك جد رائعة
    أجابته:
    - نعم أعلم, انها ذات شكل جميل و كراسي مريحة و لونها يضفي عليها لمسة راقية....
    - نعم نعم...انه المظهر فقط, لكن جمالها يفوق الوصف اذا ما قارنا مكوناتها, أتدرين انها تمتلك واحدا من أقوى المحركات و تستطيع أن تبلغ سرعة فائقة خلال بضع ثواني, و هيكلها صمم خصيصا لكي تتحمل المسافات الطويلة و بالسرعة الفائقة .....
    و استرسل يعدد لها في مزاياها لكنها لم تكن تكترث بهذا الكم الهائل من المميزات الخارقة التي تمتلكها سيارتها , فقد كانت بالنسبة لها مجرد محرك و أربع عجلات و كل ما كان يهمها فيها أن توصلها حيث تشاء, لا يهمها ما سرعتها القصوى و لا نوع محركها و لا حتى لم هيكلها صمم بهذا الشكل طالما أنه جميل يعبر للناظر عن مدى ذوقها العالي, و الباقي كله مجرد تفاهات.
    ختم الشاب كلامه و قال:
    - هذه السيارة ابتكرت لتكون في حلبات السباق و على الطرقات الطوال و ليس لكي تتجول في شوارع المدن القصيرة
    و مضى كل واحد منهما الى حال سبيله.....
    كم من واحد فينا يمتلك سيارة بهذا الشكل! أو بالأحرى كم منا من يمتلك جواهر لا يعلم حقيقة قيمتها بل لا يرى فيها الا كل ما هو عادي و تافه أو لعله لا يهتم سوى بالمظهر لا الجوهر كل واحد منا يمتلك مواهب و مهارات لا يدرك مدى روعتها و مدى ندرتها و حقيقة قيمتها، يحتجزها حينا خلف قضبان الخوف و يقتلها حينا بخنجر الاحتقار و لا يستعمل نفسه سوى لاغراض تافهة٠٠٠٠
    في حياتنا عدة أمثال تشابه صاحبة السيارة؛ فالموظف تراه ساخطا متذمرا من وظيفته، من اضطراره ان يستيقظ كل صباح ليذهب إلى عمله حيث المهمات و المشاكل لا تنتهي٠٠٠و هو لا يرى في هذه الوظيفة سوى أنها واجب اجباري لكي يتحصل على الراتب في آخر الشهر٠٠٠٠لم يدرك أن ما يملك جوهرة لا يكاد يعيرها اهتماما لأنه حد آفاقها في راتب يتقاضاه آخر الشهر٠٠٠كلنا ذاك الموظف
    الأم تمتلك بين يديها جوهرة ثمينة تشكلها كيف تشاء،طفل كصفحة بيضاء ناصعة البياض، يستطيع أن يتعلم كل شيء و يحب كل شيء، مستعد لأن يكون أفضل انسان على الأرض كما يمكنه أن يكون أسوأ شخص على وجه البسيطة و كل هذا يقتصر على كيف ننظر لهذا البرعم٠٠٠و في خضم كل هذه الامكانيات ترى الأم تنظر لطفلها كنتاج طبيعي للزواج و قد تنظر بعض الأمهات إلى أبناءها على أنهم مجرد أبناء و أخريات يرون فيهم المفاجأة التي ستهديها للعالم فهي تبني أعظم اللبنات٠٠٠
    الانسان مع نفسه، لا يدرك المقدرات الحقيقية للروح التي بين جنباته، فهو يعامل نفسه كجسد يحتاج للأكل و الش و النوم لا أكثر، لا يسمع همس قلبه و لا أحلام روحه و لا سعة الأفق أمامه، وأنه جوهرة ثمينة و نادرة٠٠٠٠
    كل واحد فينا جوهرة؛ جوهرة عليها بعض الغبار ٠٠٠قد نصادف يوما ما شخصا يزيل عنا الغبار و يرينا حقيقتنا و آفاقنا، كما قد نكون نحن أنفسنا من ينفض الغبار و يكتشف نفسه، كما يمكن أن تختنق الجوهرة فتموت لأن الغبار منعها من التنفس و لأننا لم ندرك أن تحت الأنقاض جوهرة تلمع

    Mona


    votre commentaire



    Suivre le flux RSS des articles
    Suivre le flux RSS des commentaires